مقدمة: الصين لا تغير فقط التقنية… بل تعيد كتابة قواعد اللعبة
حين أعلنت الصين عن استخدامها لبروتوكول تحويل مالي جديد بديل عن نظام SWIFT العالمي، مرت الأخبار في الإعلام الاقتصادي وكأنها تحديث تقني بسيط. لكن ما حدث في العمق هو أكبر بكثير من مجرد تحسين سرعة التحويلات. نحن أمام إعادة هيكلة شاملة للنظام المالي الدولي، تقوم على مبادئ جديدة: الاستقلال، السيادة، الشفافية، والتسريع الرقمي.
هذا المقال يسلّط الضوء على ما تعنيه هذه الخطوة فعليًا، وكيف يمكن أن تعيد رسم الخريطة الاقتصادية للدول، خصوصًا الدول العربية والدول النامية، التي لطالما كانت على هامش التحكم المالي العالمي.
لماذا قررت الصين الخروج من عباءة SWIFT؟
1. التحرر من السيطرة الغربية على البيانات والتحويلات
نظام SWIFT، الذي تتحكم فيه بنوك ومؤسسات غربية، أصبح أداة سياسية تُستخدم أحيانًا لمعاقبة دول بأكملها من خلال عزلها عن النظام المالي الدولي. بالنسبة للصين، التي تخوض منافسة اقتصادية وجيوسياسية مفتوحة مع الولايات المتحدة، كان الاستمرار تحت نظام SWIFT بمثابة نقطة ضعف استراتيجية.
2. دفع عجلة تبنّي اليوان الرقمي دوليًا
من خلال بروتوكولها الجديد القائم على البلوكتشين، تسعى الصين إلى تقديم اليوان الرقمي كوسيلة دفع موثوقة، سريعة، وآمنة، لا تخضع لتقلبات الدولار الأمريكي أو لعقوبات قد تعيق حركة التجارة.
3. الشفافية والرقابة الداخلية بديلاً عن التدخل الخارجي
البنية الجديدة مبنية على منصات بلوكتشين حديثة، تُسجّل كل التحويلات بشكل آني وشفاف، مع ضمان مكافحة غسيل الأموال من داخل النظام نفسه، دون الحاجة لتدخلات خارجية أو مراقبة غربية على الحسابات والمعاملات.
النتائج الفعلية على الدول الأجنبية والعربية
أولاً: فرصة للدول المحرومة من النفوذ المالي
العديد من الدول العربية والأفريقية تُعاني من عراقيل في التحويلات المالية الدولية:
- بسبب ضعف الثقة في الأنظمة البنكية المحلية
- أو بسبب قيود تحويل الدولار وارتفاع رسوم التحويلات
الصين تقدم بديلًا جاهزًا:
تحويلات خلال 9 ثواني، بشفافية، وبدون وسطاء غربيين
هذه السرعة والسهولة قد تُحدث تحولًا في التجارة البينية، في التحويلات من الجاليات، وحتى في حركة رؤوس الأموال والاستثمار.
ثانيًا: تخفيف التبعية للدولار الأمريكي
إذا بدأت الدول العربية مثل الإمارات، السعودية، مصر أو المغرب باستخدام البنية الصينية في التجارة أو تسويات الطاقة أو الاستثمارات المشتركة، فإنها:
- تخفف من ضغط الاحتياطي بالدولار
- وتفتح الباب لإنشاء نظام مالي أكثر تنوعًا ومرونة
ثالثًا: تعزيز الأمن المالي السيادي
مع النظام الصيني الجديد، تمتلك الدول بياناتها المالية بالكامل، وتستطيع مراقبة تدفق الأموال بدقة متناهية، مما:
- يُقلل من الاعتماد على شبكات الطرف الثالث
- يُعزز قدرة الدولة على مكافحة غسيل الأموال والتهرب الضريبي داخليًا
التحديات المحتملة
رغم الفرص الهائلة، هناك عدة تحديات يجب وضعها بالحسبان:
- الضغط الغربي: استخدام النظام الصيني قد يُعرض بعض الدول لضغوط دبلوماسية أو اقتصادية من حلفاء الغرب
- الاعتمادية التقنية: رغم الشفافية، إلا أن البنية التقنية تخضع للرقابة الصينية، مما يثير تساؤلات حول الحياد
- عدم النضوج القانوني: التعاملات عبر بلوكتشين ما زالت جديدة، وبعض الدول لم تُقننها بعد بشكل كامل
هل ستتجه الدول العربية نحو هذا النظام؟
الإجابة تعتمد على عدة عوامل:
- مدى استقلال القرار السياسي
- احتياجات الدول من التمويل والتحويلات منخفضة التكلفة
- رغبتها في تقليل الاعتماد على الدولار أو تنويع علاقاتها المالية
الدول الأكثر ترجيحًا للتجربة في المرحلة الأولى:
- الإمارات وقطر: نظرًا لانفتاحها التكنولوجي وسرعة تبنيها للابتكارات المالية
- السعودية: خصوصًا ضمن إطار التحول الاقتصادي ورؤية 2030
- دول شمال إفريقيا: إذا وجدت أن النظام الجديد يخفف عنها عبء التعاملات الدولارية
الخلاصة: ليس مجرد بروتوكول… بل نظام مالي جديد يولد
ما تُقدمه الصين ليس بديلًا عن SWIFT فحسب، بل رؤية لعالم مالي متعدد الأقطاب، لا يحتكر فيه الغرب سلطة التحويلات، ولا تكون فيه العملة الأمريكية هي المعيار الوحيد.
إذا اختارت الدول العربية أن تكون فقط “مستهلكة” لهذا النظام، ستفقد فرصة التأثير في صياغته. أما إذا شاركت في بنائه وتخصيصه، فقد تُصبح من اللاعبين الكبار في النظام المالي القادم.