“طفلة لم تتجاوز 12 سنة تتعرض للاستغلال الجنسي عدة مرات من قبل عمها الخمسيني”، و”شيخ في السبعين من عمره يعتدي جنسيا على فتيات لا تتجاوز أعمارهن 6 سنوات”… هذه عينة من الأخبار التي تتداول في الصحافة التونسية المحلية من حين إلى آخر وتعكس انتشار حالات الاستغلال الجنسي للأطفال في تونس، وهو الانتشار الذي تؤكده الإحصائيات الرسمية وشهادات خبراء علم الاجتماع والنفس.
635 إشعار اعتداء
بلغت الإشعارات المتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال الواردة على مكاتب مندوبي حماية الطفولة خلال سنة 2016 ما مجموعه 635 إشعارا.
ويبين التقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة، الصادر في فبراير 2017، أن حالات التحرش الجنسي تمثل 50.5 بالمئة من مجموع إشعارات الاستغلال الجنسي للأطفال خلال سنة 2016، تليها حالات ممارسة الجنس مع الطفل بنسبة 35.5 بالمئة.
وتجاوزت حالات التحرش الجنسي 80 في المائة في بعض الجهات إذ بلغت 83.3 بالمئة في محافظتي جندوبة وقفصة، في حين تجاوزت حالات ممارسة الجنس مع الأطفال 73.3 في المائة في محافظة بن عروس.
ومن أنواع الاستغلال الجنسي الأخرى التي سجلها مندوبو حماية الطفولة، مثلت الإشعارات الخاصة بزنا المحارم 13.8 في المائة من مجموع حالات الاستغلال المسجلة، واستأثرت محافظة تونس بتسجيل 9 حالات.
وضعية مقلقة
في قراءته للإحصائيات الرسمية حول الاستغلال الجنسي للأطفال، يعتبر رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، أن هذه الإحصائيات لا تعكس حقيقة وحجم استغلال الأطفال جنسيا في تونس.
ويقول الشريف، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”: “الوضعية أسوأ بكثير إذا علمنا أن 80 في المائة من ملفات الاعتداءات الجنسية الواردة على الطب الشرعي تخص اعتداءات واقعة على الأطفال”.
ويرجع عدم وجود إحصائيات دقيقة حول هذه الاعتداءات، حسب المتحدث ذاته، إلى صمت العائلة وتكتمها عند حدوث اعتداء جنسي على طفلها خوفا من تفشي الخبر.
وفي السياق نفسه، يذكر المختص في علم الاجتماع الإجرامي، سامي نصر، أن حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال المبلغ عنها أقل بكثير من الحالات الفعلية “إلا أن الخوف من الفضيحة يجعل العائلة تتكتم عن كشف الواقعة”.
ويعتبر الخبير ذاته، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أنه رغم غياب الإحصائيات الدقيقة تعتبر الاعتداءات الجنسية على الأطفال سلوكات فردية وجب معالجتها قبل أن ترتقي لمستوى الظاهرة ومن ثم ثقافة سائدة، حسب قوله.
فئة هشة
يبين الخبير في علم الاجتماعي، سامي نصر، أن الطفل الضحية في حالات الاستغلال الجنسي لا يدرك معنى التحرش الجنسي، لأنه “عادة تمر ممارسة الجنس من مرحلة التحرش إلى المواقعة لكن الطفل لا يدرك ذلك”.
ويفيد نصر أنه، إلى جانب عدم إدراك الطفل لدلالات لمس ومداعبة أجزاء من جسمه، فهو كذلك ضحية سهلة لا يمكنها المقاومة.
ومن جهته، يرى الباحث السوسيولوجي، شهاب اليحياوي، أن الأطفال معرضون مجتمعيا لكل أشكال الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، “حسب درجة انتشار الجهل والأمية والتسرب المدرسي والبطالة والاستبعاد الاجتماعي، الذي تعانيه فئات المنقطعين عن الدراسة وغير المؤهلين لأن يستوعبهم سوق الشغل لغياب وافتقاد التكوين والتأهيل”.
الكبت الجنسي
في مقابل هذه الفئة الهشة يوجد جناة يعانون، حسب الخبراء، من كبت جنسي وضعف شخصية.
ويبين الباحث شهاب اليحياوي، في حديثه مع “أصوات مغاربية”، أن الاعتداء الجنسي يعتبر “شكلا من أشكال التعبير عن انسداد الآفاق وموت الأمل والحقد تجاه الغير المتمثّل في محيطه العائلي ومحيطه الاجتماعي”.
ويشير اليحياوي إلى أن العديد من مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال يمارس الاعتداء الجنسي كنوع من الانتقام من المجتمع وبدافع التمتع بإيذائه وإيلامه كتنفيس عن الحقد والكره له.
وبخصوص إقدام أشخاص يشتغلون ولهم مكانة في المجتمع على مثل هذه الاعتداءات، يعتبر الباحث أن هؤلاء الأشخاص “يعانون من كبت جنسي وتربية جنسية عقيمة ومغلوطة تتم في العائلات التونسية التي تتجنب في غالبيتها الحديث عن الجنس أمام أبنائها أو الحوار حول ذلك معهم بشكل يقدم لهم فهما سلسا ومستساغا للجنس”.
الإفلات من العقاب
من الأسباب الأخرى التي أدت إلى انتشار حالات استغلال الأطفال جنسيا يذكر رئيس “الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل”، معز الشريف، الإفلات من العقاب في مثل هذه الجرائم.
ويوضح الشريف أن الإثباتات البيولوجية التي تمكن من معرفة المعتدي تنتفي بعد سويعات من الحادثة وتكتم الأسرة عن الإبلاغ وتقديم شكوى في وقت وجيز يجعل إمكانية التتبع والإثبات معدومة.
ويضيف معز الشريف أن المدة الزمنية بين الواقعة والتصريح بها والعرض على الطبيب الشرعي تستغرق في تونس من 3 أيام إلى عامين وهي مدة طويلة لإثبات الجريمة، ويختم الشريف: “الدولة لا تقوم بواجبها، إذ يجب على وكيل الجمهورية حماية الطفل وإقامة الأدلة منذ التوصل بالشكاية الأولى، إلا أن كلمة طفل في تونس ليس لها أية قيمة”.
المصدر: أصوات مغاربية